zaydoun مشرف
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: الشحاذ ج 4 السبت مايو 05, 2007 1:26 pm | |
| تداخل الضمائر: تميّزت رواية الشحّاذ باستخدام الكاتب الضمائر الثلاثة مرّة واحدة في عمليّة القص الروائي وهي: ضمير الغائب "هو" و ضمير المتكلم " أنا " و ضمير المخاطب "أنت" في شريحة واحدة و ذلك بهدف تعرية الوعي الباطن تعرية كاملة بالنّظر إليه من زوايا مختلفة , فيكون البطل مثل الممثّل على الركح و قد سلطت عليه أضواء متقاطعة من زوايا مختلفة.فضمير الغائب " هو " يعكس أحيانا معالم الجوّ النفسي الذي تعيش فيه الشخصية و قد يوحي بالغربة عن الذات و انسلاخه عنها :" القلب لم يخرج عن كهفه منذ مغاني الحدائق و قهوة العائلات , ووجه زينب القديم لا يكاد يتذكّره , و حتّى صورة الزفاف لم يلق عليها نظرة حقيقية منذ عشرة أعوام"و ضمير المخاطب "أنت" قد يفيد هو الآخر الانسلاخ عن الذّات و لكنه قد يفيد المواجهة و مصارحة النفس بتعريتها على حقيقتها :" و ما هو إلا عامان أو ثلاثة و تصير جدا و تمضي الحياة ....ما أشدّ استجابة نفسك ل "تهرب " كأنها مفتاح سحري يلقى إليك في جب" و قد يمكّن من التعرّف على خطوات سلوك الشخصية الحركي لتفجير منتظر لما يدور بداخلها من طاقة انفعالية :" و أنت متضايق كأنما كتب عليك إن تناطح نفسك ...و ها أنت تسمع شخيرها فلا تعطف و لا يبتسم القلب".و من ضمير المتكلم " أنا " نستطيع الحصول على نوع من الاعتراف الذّاتي:" كيف أقبل بعد ذلك أن أنظر في ملف قضيّة أو أن أناقش مشكلة تتعلق بميزانية البيت و قد قلت لحجرتي المغلقة : أي خطأ كانت تلك الهدنة التي أرجعتني إلى البيت". و تنويع الضمائر هذا لا يخضع لترتيب معيّن أو تصور ما , حسب الفصول أو الفقرات بل نجد الرّاوي يقفز من ضمير إلى آخر في نفس الجملة دون أن يهيئ القارئ لذلك :" و زينب مستغرقة في النوم... و أنت متضايق كأنما كتب عليك أن تناطح نفسك و هذا يعني أنني لم أعد أحبّك ....و ها أنت تسمع شخيرها فلا تعطف و لا يبتسم القلب ".و بالتحام الضمائر الثلاثة في عمليّة القصّ الروائي يتمكن الكاتب من إلقاء دفقات كاشفة على أعماق البطل فتظهر لنا كافة سراديب أعماقه واضحة جليّة بكل ما فيها من أحاسيس و مشاعر و أفكار.الرّمزية:في المرحلة الاجتماعية كان شخوص الروائيات كائنات حيّة نابضة نكاد نلمسها و نحس نبضها من بين السطور , و كان وصف الأشياء دقيقا بغاية إضفاء صبغة من الواقعية على الإطار الذي تدور فيه الأحداث , لكن الأمر يختلف مع الروايات الذهنية إذ جعل نجيب محفوظ لأبطاله دلالات أكبر من الملابس التي ترتديها , يقول الكاتب في ذلك :" حين بدأت الأفكار و الإحساس بها يشغلني لم تعد البيئة هنا و لا الأشخاص و لا الأحداث مطلوبة لذاتها , و الشخصية صارت أقرب إلى الرمز أو النموذج , و البيئة لو تعد بتفاصيلها بل صارت أشبه بالديكور الحديث , و الأحداث يعتمد اختيارها على بلورة الأفكار الرئيسية." من قولة نجيب محفوظ هذه , ندرك إن الكاتب جعل للأشياء و الأشخاص و الأحداث أبعادا , وحمّلها أفكارا و رؤى و مضامين أبعد من الظاهر .فالأماكن التي دارت فيها أحداث الرواية تبدو و قد جردت من أبعادها الاجتماعية و دلالتها الطبقية , و ارتفع بها الكاتب عن الملامح المحلية الضيقة التي من شأنها أن تحصر أحداثها في ظرف محدد , و بالمقابل عمد الكاتب إلى التّكثيف من الإشارات و الإحالات التي تفيض بالمكان على بعده الضيّق المحلّي , إطار لأحداث إنسانية , فالكاتب , مثلا في وصف حجرة الطبيب أو بيت عمر الحمزاوي قد تجاوز كثيرا من المحتويات التي ما كان ليتجاوزها لو كانت القصة تنتمي إلى المرحلة الاجتماعية الواقعية و بالمقابل انتقى منها ما من شأنه أن يوظّفه توظيفا رمزيّا فلم يختر من مكتب الطبيب إلا :1)اللوحة:يقول الراوي :" سحائب ناصعة البياض تسبح في محيط أزرق تظلّل خضرة تغطّي سطح الأرض في استواء و امتداد , و أبقار ترعى تعكس أعينها طمأنينة راسخة , و علامة تدّل على وطن من الأوطان , و في أسفل طفل يمتطي جوادا خشبيا و يتطلّع إلى الأفق عارضا جانب وجهه الأيسر , و في عينيه شبه بسمة غامضة."تفكيك رموز اللوحة:*تتكون اللوحة من عناصر عديدة:أ-إنسانية: الطفل و توابعه( حصان خشبي)ب-حيوانية: الأبقارج-طبيعيّة : السحب, الأفق,مرج ممتدّ.فالكون بكل عناصره ممثل في هذه اللوحة ---> القضيّة المطروحة كونيّة إنسانية و يؤكد هذا القول الراوي :" لا علامة تدل على وطن من الأوطان ".*سحب ناصعة البياض في محيط أزرق ترمز إلى نفس البطل في صفائها و قد بدأت سحب القلق و الشك (بيضاء خفيفة )تغزو فكره.*الخضرة + استواء الأرض و امتدادها ك ترمز إلى الاستواء و الامتداد اللذين سيظلان يلاحقان البطل طوال مسيرته .*الأبقار ترعى + طمأنينة راسخة : هي في سلبيتها تحاكي البغل في السّد و هي الأخرى همّها بطنها , و ترمز الأبقار في هذه اللوحة إلى" القطيع " من الناس في انسجامهم مع الذّات و الكون , و في فهمهم الحياة على أنها خطوط مستقيمة تسقط فيها "لم و كيف؟".*أما عن الطفل الذي يمتطي جوادا خشبيا و يتطلع إلى الأفق..... و في عينيه شبه بسمة غامضة فهو يرمز "إلى الإنسان الذي يظن أنه كبر و نضج و يستطيع أن يحقق آماله و طموحه بالوسائل التي في يديه و لكنّه لا يدرك أنه لم يتعدّ بعد مرحلة الطفل الذي يركب حصانا خشبيّا معتقدا أنه يستطيع أن يصل إلى أهدافه و هو على ظهر مثل هذا الحصان".2- التأكيد على وحدة البطل في الغرفة رغم شهرة الطبيب :هو رمز الإنسان الذي القي في هذا العالم وحيدا ليواجه مصيره بكل حريّة.3-أمّا عن الجرائد و المجلات المبعثرة فوق المنضدة وسط حجرة الطبيب, فهي تدل على ذهن البطل المشوش الذي فقد اليقين في كل شيء و لم يصبح لديه شيء ثابت أو مؤكد." و ما يقال عن عيادة الطبيب يقال عن بيت عمر و عن الملاهي التي دارت فيها مغامراته بل حتّى أكثر الأماكن خصوصية و شهرة مثل الإسكندرية و صحراء الهرم و غيرهما فقد أفقدهما الكاتب في هذه الرواية هويتهما و خصوصيتهما , و جعلهما رمزا أكثر ممّا هما مكانان حقيقيان فكانت الصحراء مثلا , رمزا ل" امتداد لا يحدّه البصر و لا يشعر فيه الإنسان بأنه محدود بشيء خاصة أن ذهاب عمر الحمزاوي إلى الصحراء كان يقع في الظلام الذي يكثّف هذا الشعور باللامحدودية المكانية ".و الأشخاص في هذه الرواية كانوا هم أيضا " رموزا " رغم اتّقادهم حيوية و عاطفة , ف"مرجريت " و"وردة " أخذ الكاتب اسميهما من الزهور , و هما بذلك يوحيان بالجمال و النشوة و لكن , أيضا , بقصر العمر و سرعة الذّبول إضافة إلى الثبات و الاستقرار , فهما نابتتان في الأرض مشدودتان إليها رمزا خصيبا للثبات و الاستقرار . و عمر الحمزاوي كان رمزا للارتداد عن المبدأ و ركوب الموجة , انتقل من المعنى إلى اللامعنى بمحض إرادته ثم طفق " يشحذ للحياة معنى ".و مصطفى ليس إلا صلعة فنية لامعة و عثمان كان رمز الثورية الطوباوية الحالمة إضافة إلى إن الثلاثة كانوا وجوها مختلفة من شخصية البطل . كما عمد الكاتب إلى توظيف الطبيعة في تصوير حالة البطل النفسيّة, فاللوحة الأولى التي افتتح بها الرواية كانت السماء فيها صافية إلا من بعض السحب البيضاء و هو ما يوحي ببداية أزمة البطل النفسية , ثم تراكمت السحب و تلبّدت السماء مما يدل على تأزم حالة البطل النفسية " طوّقه هواء عاطف و رأى الأمواج و هي تركض بجنون نحو الشاطئ, فتلطخ بزبدها الفائر أرجل الكبائن تحت قبّة باهتة انتشرت قطعان السّحب في جنباتها , و غام جوّ الصباح الباكر باللون الرمادي "لكن هذا لا يعني أن البعد الدّلالي في هذه الرواية ثانوي , و أن البعد الفني يتصدّر الاهتمام , بل من النقاد من يعدّ هذا البناء – على طرافته- مجرّد وعاء طرح بفضله نجيب محفوظ ما أراد من القضايا . و سواء تقدمت القيمة الفنية البعد الدّلالي أو تقدمت الدّلالة على الفنّ فان نجيب محفوظ , كما جاء بالطريف فنّا , كذلك فعل دلالة. | |
|
prof مراقب عام
عدد الرسائل : 498 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 25/03/2007
| موضوع: رد: الشحاذ ج 4 السبت مايو 05, 2007 5:41 pm | |
| | |
|
zaydoun مشرف
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: رد: الشحاذ ج 4 الأحد مايو 06, 2007 8:47 am | |
| | |
|