- الشخصيات :
بما أن القصة و الرواية تعالج فترة واسعة من الحياة بكل ملابساتها و جزئيتها، تكثر فيها التشعبات و الإستطرادات. فهناك شخصيات كثيرة و أحداث عديدة تعترض مجري القصة، فتتفرع إلى منعرجات تؤثّر في اتجاهها، فهي تختلف عن الأقصوصة، لأن الأقصوصة تدور علي محور واحد، و لا تشتمل من حياة أشخاصها إلا فترة محدودة، أو تدور علي حادثة خاصة، و لا تقبل التشعب و الإستطراد إلى ملابسات كل حادث و ظروف كل شخصية. و لذلک" أن الأقصوصة شيء آخر غير القصة، فليست قصة قصيرة؛ و تسميتها هكذا short story قد توجد شيئا من اللبس. و لعله أولي بنا أن نصطلح في اللغة العربية علي تسمية القصة الرواية لنفترق ما بين اللفظين من الإشتباه".23
أما هذه القصة ( الشحاذ ) تکون وسطا بين الأقصوصة و الرواية، لأن حجمها أکثر من حجم الأقصوصة، و المحيط الذي تشمله لا تتسع اتساع الرواية، إذ لا ترسم مساحة واسعة من الحياة و من الشخصيات.24
تنقسم الشخصيات في هذه القصة وفقا لطريقة عرض نجيب محفوظ إلى أربعة أقسام تختلف حسب دورهم :
ألف) الشخصية الأصلية :
هو عمر الحمزاوي محامٍ ناجح ثري في خمس و أربعين من عمره، و ثوري في شبابه. فيصف لنا الكاتب من بداية القصة إلى نهايتها جوانب شخصية هذا البطل المختلفة، و تفاعله مع الأحداث و سائر الشخصيات. و هو نفسه يصور أفكاره الرئيسة. تكون هذه الشخصية من الشخصيات النامية ( المتطورة ، غير ثابتة ).25 فإن الكاتب يبرز لنا هذه الشخصية تدريجيا خلال القصة، وهي تنمو نتيجة لتفاعلها المستمر مع الأحداث. فإنها تفقد معني الحياة، و تبحث عن الله و حقيقة نفسها و سر الوجود. و لها أفكار متشردة و تخيلات غير واقعية، و لكن في أواخر القصة تصل إلى واقع حياتها و تعود إلى وجودها الثوري القديم. ثم إنه يصور هذه الشخصية النامية كشخصية واعية منطقية، أي تصرفاتها هي نتيجة واضحة لصفاتها؛ ومع هذا أننا نجد عنصر المفاجاة في بعض أحداث القصة. إضافة إلى هذا أنه صوّر شخصية عمر بطريقة تمثيلية في بعض أحداث القصة، حيث يقف الکاتب بجانب و يمهد المجال لبطله لأن يكشف عن حالات نفسه عن طريق الكلام و الحركة، يجعله يعبر عن نفسه بما يضعه في أفواه الشخصيات الأخري من تعليقات عليه و أحكام. و رسمُ البطل بهذه الصورة قد تکرّر کثيرا خلال القصة حيث لا يحصي. و أحيانا نجد المؤلف يختار الطريقة التحليلية،26 فيحلل عواطفه و أفکاره و أحاسيسه ، ويفسر دوافعها.ب ) الشخصيات الفرعية المباشرة :
فهي تتعدد و تختلف ظهورا وفق دورها في أحداث القصة؛ و منها: شخصية عثمان خليل صديق قديم لعمر في مرحلة الثورة و سجين حاضرا، لكنه في أواخر القصة يطلق سراحه و يتزوج من بثينة بنت عمر. و هي من الشخصيات البسيطة الثابتة و المسطحة.27 و مصطفي المنياوي صديقه المرافق له في أحداث القصة، خرج من نطاق الفن الجدّي، و أقبل علي كتابة المسرحيات لتمثلها جوقة المسرحية. و هو يشبه نفسه ببائع اللب و الفشار و كافة أدوات التسلية في الإذاعة و التلفزيون. و لقّب عند أصدقائه بالأصلع الصغير. فشخصيته ها هنا شخصية متطورة و نامية، لأنه كان يؤمن بالإشتراکية في أيام الشباب، ثم تغير و تراجع عن رأيه، فانصرف إلى الإيمان بالعلم ، فهجر الفن الجدي فأصبح صحفيا نابهاً.
و زينب، زوجة عمر، كان اسمها كامليا فؤاد من راهبات الكنيسة؛ فغير عمر اسمها إلى زينب و تزوج منها. و كانت هي فتاة جميلة ذات عينين زرقاويتين في أيام الشباب. و قد تحولت حاليا إلى شخصية سمينة غارقة في المواد الدهنية. فهي إذا شخصية نامية.
بثينة بنت عمر، و هي فتاة جميلة ذکية، تمثل أمها في الرابعة عشر من عمرها؛ حصلت علي ديوان أبيها القديم، فأعجبت به، فأخذت عنه سرّ الوجود دون أن أصيبت بمرض أبيها. و هي شخصية ثابتة.
جميلة بنت عمر الصغيرة کانت لا تفهم من الحياة شيئا، و تلعب و تخلق بعض الأفعال الصبيانية، وهي شخصية ثابتة.
عليات زوجة مصطفي، و هي امرأة رزينة قوية الشخصية في الأربعين من عمرها. و كانت شخصية ثابتة.
حسين كرم خال عمر، وهو الذي نهاه عن الزواج من وردة . فشخصيته شخصية بسيطة ثابتة.
حامد صبري، صديق عمر الطبيب، كان يري فلسفة الحياة و معناها في خدمة الإنسان. و هو شخصية ثابتة.
العميل الذي أثّر كلامه في عمر، و أوجد فيه أزمة نفسية. و هو شخصية نفسية.
مارجريت، راقصة انجليزية التكوين من راقصات ملهي باريس الجديدة. و قد قضي معها عمر ليال ، ثم هجرته فجأة. و شخصيتها شخصية ثابتة.
وردة، و هي راقصة في ملهي باريس الجديدة متخرجة من معهد التمثيل، لكن لم توّفق في السينما. و كانت تجيد الرقص. و قد عشقها عمر و هي تحبه لحد الجنون. عاشا فترة من الزمن، ثم تركته. فهي شخصية نامية متطورة.
يازبك، و هو من أصدقاء مصطفي، و صاحب ملهي باريس الجديدة، الذي اقترح علي عمر الزواج من وردة.
ج ) الشخصيات الفرعية غير المباشرة :
لقد أثّرت هذه الشخصيات في تكوين القصة و حركاتها. لكن دورها أقل من الشخصيات الفرعية المباشرة، منها: زوجة الدکتور حامد صبري التي كانت مغرمة بأعمال مصطفي الفنية. منها السفرجي و التمرجي و النادل، منها رئيس التحرير الأسبوعية التي يعمل فيها مصطفي، أخت عمر الوحيدة، والدا عثمان اللذان كانا يتلقيان من عمر مساعدات مادية أثناء فترة كان عثمان محبوسا.
الزبون الذي اكتسب عمر منه قضية، سمير ابن عمر الصغير، قوات الشرطة، النساء التي غامرهن عمر، مني الراقصة، أخوال وردة، و أمها و عمها العجوز، الرجل المجنون الذي كان يرفع يديه علي طريقة الزعماء، و يلهث بكلام لا يربطه منطق، سليمان باشا، الرجل و المرأه التي يتحدثان عن الحب و كان عمر يسمع كلامهما، چوقة المسرحيات التي تمثل مسرحيات مصطفي، و...