العناصر القصصية في رواية( الشحاذ
نجيب محفوظ
ملخص:
يدرس هذا البحث العناصر القصصية في رواية "الشحاذ" لنجيب محفوظ، و هي آخر قصصه ورواياته في المرحلة الفلسفية الرمزية. و العناصر المكونة لها هي : سرد الأحداث، الشخصيات، البيئة، الفكرة، الحبكة و مقوماتها من البداية : التضارب و التعارض، القلق و الحيرة و التشويق، الأزمة، الذروة، و انحلال العقدة. كما أنه يحاول أن يلقي الأضواء علي البناء الرمزي في هذه الرواية من رمزية الشخصيات، و رمزية عنوان الرواية، ثم التوظيف الفني للطبيعة عند نجيب محفوظ في هذه الرواية. كذلك يتناول المنحي الصوفي الذي عالجه فيها نجيب محفوظ، ثم لغتها و أسلوبها، و أخيرا يشرح ما تأثر به نجيب محفوظ من الأدب الغربي في خلق هذا الأثر الأدبي.
تمهيد:
لقد كان نشوء الرواية في الأدب العربي مواكبا لبداية عصر النهضة الحديثة، و ذلك لاتصال العرب الوثيق بالغرب حيث مرت الرواية بطور الترجمة فالإقتباس فالوضع، حتي استقرت في مسلسلات.
و يرجع الفضل في ظهور الرواية إلى الصحافة و الترجمة، كما يرجع الفضل في إرساء قواعد الفن الروائي و القصصي إلى سليم البستاني، و جرجي زيدان، و فرح أنطوان، ثم تبعهم جبران خليل جبران، و طه حسين، و توفيق الحكيم، و محمود تيمور، و المازني؛ أما النهضة الحقيقية للرواية فكانت علي يد جيل تخرّج من الجامعات المصرية أمثال علي أحمد باكثير، و عبدالحميد جودة السحار، و يوسف السباعي، و نجيب محفوظ.1
ولد الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ في القاهرة سنة 1911م. و بدأ حياته الأدبية في العشرين من عمره. و نال جائزه نوبل في الآداب عام 1988م. عندما اختار نجيب محفوظ في الثلاثينات أن يتفرّع للتعبير الروائي كانت الساحة العربية خالية من التراث الروائي حجماً وقيمةً، إذ لم يسبقه في هذا المجال سوي عدد قليل ذكرناهم آنفا؛ فمهّد نجيب محفوظ بجهده لفن الرواية والقصة، و بفضله أصبحت الرواية من فنون الأدب العربية الهامة مقبولة و مقروءة علي المستوي العالمي. استمرّ محفوظ في محاولاته لتمهيد فن الرواية العربية و تأصيلها و توسيع نطاقها بحيث تستوعب أشكالا فنية جديدة لم يعرفها هذا الأدب بصورة واضحة من قبل. وقد تعرّف محفوظ علي فن الرواية الغربية من خلال قراءاته الواسعة، إلا أنه لم يعتمد في أعماله البناء الغربي، إذ كان يكتب بلغة عربية، و يعيش في بلد عربي له حضارته و قيمه و عاداته العربية.
قد مرّ نجيب محفوظ علي خمس مراحل في كتاباته2:
1- المرحلة التاريخية أو الرومانسية الواقعية : ومن آثاره في هذه المرحلة، عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة. (1935- 1938)
2- المرحلة الواقعية الإجتماعية : ومن آثارها فيها، القاهرة الجديدة، خان الخليلي، زقاق المدق، بداية و نهاية، السراب، و الثلاثية.( 1939- 1952)
3- المرحلة الواقعية الفلسفية ( الرمزية ) : و من آثاره فيها، أولاد حارتنا، اللص و الكلاب، السمان و الخريف، الطريق، و الشحاذ. (1952 - 1965)
4- مرحلة مرافقة القضايا الفلسفية مع القضايا الإجتماعية: و من آثاره فيها، ثرثرة فوق النيل، ميرامار.
( 1965 - 1967)
5- مرحلة الحوارات الإستدلالية العقلية : و من آثاره فيها، خمارة القط الأسود، و ما بعدها. ( 1968 - ...)
رواية الشحاذ هي آخر قصة كتبها نجيب محفوظ في المرحلة الثالثة . و تمتاز قصصه في هذه المرحلة بميزيتين : الإحساس بالخواء و الرمزية، إضافة إلى الناحية الفلسفية؛ فإن الكبت و الخفقان الذي ساد المجتمع المصري قد دفع الكتاب المصريين إلى استخدام الرمز للتعبير عن آرائهم.
اصطبغت قصص نجيب محفوظ في الستينات بأسلوب تيار الوعي الذي استخدمه" جميس جويس و ويرجينيا ولف " في قصصهما؛ و ذلك يمتلئ بالتعبيرات الرمزية. و في هذه المرحلة يعجز أبطال قصص محفوظ عن إدراك فلسفة الكون، و يفتقدون الإيمان بالله فيجتاحهم القلق و الإضطراب، فالحياة تصبح لهم عبثا بلا معني. فهذه القصص تستهدف إلى هدفين : البحث عن القوة السحرية المجهولة (الله) لتمنح الحياة معني و غاية؛ و دراسة أسرار الكون و الكشف عنها، بينما يرافق هذين الهدفين القلق و الإضطراب و الترديد دائما.
و نحن نكون بصدد أن ندرس في هذه المقالة العناصر القصصية في رواية الشحاذ و أن نلقي ضوءا نقديا علي بناءها الفني. فالرواية هذه تشتمل علي كل العناصر المشترکة بين الفنون الأدبية. فمثلا نجد فيها سيطرة اليأس و التشاؤم و الحيرة، كما نجد فيها عاطفة الأمل و الثورة و الحماس. كذلك نجد فيها الخيال، و يتمثل هو في رسم لوحات فنية جميلة تتجلّي إما في مخيلة بطل القصة، و إما مستمدة من واقع الحياة.
و يتکشف للقارئ بعد قراءة هذه القصة الجميلة، كيف نجح نجيب محفوظ في الجمع بين العناصر الشعرية و العناصر النثرية، و أخرجها في صورة رائعة يستمتع بها القارئ.