العوامل المؤثرة في أدب أبي حيّان التوحيدي:
ü فساد الإدارة الحاكمة مما أوجد تدهورا سياسيا و أخلاقيا و اجتماعيا...و فتح الباب لتهديدات الرّوم.
ü نشأته في أرقى العصور الإسلامية حضارة و ثقافة.
ü بصيرة نافذة و خيال خصب إلى جانب فكر يقظ و حاسّة فنية ذوّاقة للجمال.
ü نزعة عقلية لمحاولة فهم أحوال مجتمعه و عصره .
ü إحساس مرهف مع صراحة في القول و ميل إلى تتبع العيوب.
ü حياة الخصاصة والفقر التي جعلته ناقما.
ü تتلمذه على يد مجموعة من مشائخ عصره : السبرافي –الرماني –أبو سليمان المنطقي...
ü مطالعته و رحلاته الكثيرة و مخالطته لمجالس العلماء.
ü إعجابه بالجاحظ.
ü تفرّغه للعلم ممّا جعله غزير المعرفة واسع الثقافة.....
التوحيدي و استاذه أبو سليمان المنطقي :
أبو سليمان المنطقي ,هو محمد بهرام السجستاني ,جاء إلى بغداد و عرف بلقب المنطقي . و كان التوحيدي من أشدّ الناس إعجابا بسعة معرفته و شمولية علمه مما اثر في أبي حيّان أدبا و تكوينا , و قد دوّن له التوحيدي كثيرا من الآراء المستطرفة في النفس و في ما وراء الطبيعة و في الفلسفة الإلهية و في أمور أخرى . و قد وصفه بأنّه كان غزير المعرفة واسع الصّدر , و لا ينغلق أمامه باب من الأمور الرّوحية و الأسرار الغيبية.
لقد اختار أبو سليمان " السيرة الفاضلة " التي يمثلها "سقراط" و هي سيرة تجمع بين الزّهد و الفلسفة ,فرضي بحالة الفقر و قنع بالقليل من الطعام غير أنّه لم يكن محروما من عطايا الكبراء و خاصة عضد الدولة البويهي.
التوحيدي و ابن سعدان:
لئن حقق التوحيدي في اتصاله بابن سعدان شيئا من الرّاحة النفسية و اليسر المادي فان صلته بالوزير لم تحقق له كل ما كان يصبو إليه , و هذا ما جعله يتوسط من جديد بصديقه أبي الوفاء المهندس و هو يعتذر بانّ الوزير مشغول و لا يجد لديه متسعا من الوقت لينظر في أمره , و لعلّ ابن سعدان كان يقصد هذا المنع عن أبي حيّان و كأنّه كان يريد أن يشركه دائما في حاجة إليه , و قد تفطن ابن سعدان إلى نقطة ضعف أبي حيّان فأراد أن يستغلّها و أن يعيّنه جاسوسا بين الرّعية ينقل الأخبار و يصوّر الأحوال و يعيد عليه الشائعات .
و لمّا أحسّ التوحيدي بخلفيات مطالب الوزير امتنع أن يكون عينا له فرفض الخروج صحبة أحد رجال الوزير في مهمة فهم من خلالها غاية الوزير ابن سعدان و هي أن يجعل منه مراقبا و جاسوسا .
هكذا يفرّق التوحيدي في علاقته بابن سعدان بين المشورة و النصح و بين التجسّس و نقل الأخبار لأنه كان يعتقد أنه أرفع من أن ينقلب عينا لمخدومه بل انه لا ينقل خبرا الاّ و هو يعتقد في إمكانية إصلاح ما هو موجود و توعية الوزير بمواضع الخلل في دولته .
و نتيجة لهذا الإخلاص عمل التوحيدي على أن يرسم للوزير خطوطا عريضة تساعده على تيسير حكمه في ما ينفع و يعود عليه بالأمن و الاستقرار . و هنا يكمن التوجه الإصلاحي في كتاب الإمتاع و المؤانسة .
المنزع العقلي في كتاب الإمتاع و المؤانسة :
إن الحديث عن المنزع العقلي في كتاب الإمتاع و المؤانسة يستوجب إعادة النظر في موضوعات الكتاب و فيما دار بين أبي حيّان و الوزير من مسامرات و أحاديث و تساؤلات و تعليقات.
غير أننا نحتاج إلى تحديد مفهوم العقل لدى أبي حيّان خاصّة و أنّ الرجل قريب في أدبه من الفلسفة لا سيما و انه " أديب الفلاسفة و فيلسوف الأدباء " .
و لأن اتجه التوحيدي في كتابه وجهة أدبية فنية فان الكتاب لا يخلو من عمق التفكير الدال على امتلاك صاحبه قدرة عقلية فائقة جعلته يحول متعة السمر إلى مواقف فكرية و إفرازات عقلية ثابتة و دقيقة و لربّما احتاج دارس هذا الموضوع إلى مراجعة مؤلفات أخرى لبي حيّان ك" الهوامل و الشوامل" و "البصائر و الذخائر " , يضفر بفهم متكامل لمدلول العقل لدى أبي حيّان .
إن دراسة مؤلفات التوحيدي تبين أن العقل في أدبه نوعان:
عقل مفكّر في مشاغل الخاصة الفكرية و الفلسفية و اللغوية و الأدبية و المساهمة في تدارس القضايا الثقافية العامة المطروحة في الأوساط الفكرية في عصره.
عقل ناقد متفحص لحياة الناس بمختلف وجوهها السياسية و الاجتماعية و العقائدية...و هو عقل يحلل الموجود و يشير إلى مواضع الخلل مقترحا أوجه إصلاحه.
بهذا يكون العقل في الإمتاع و المؤانسة ضربان : عقل مفكر و منظر وعقل ناقد مصلح .
I- منزلة العقل عند التوحيدي:
يعتبر التوحيدي أن للعقل منزلة متميزة متفرّدة و ذلك من خلال القرائن التالية:
1-العقل بما هو هبة إلهية : يرى التوحيدي أن العقل هبة ربانية و قوّة تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات. يقول:" وهب الإنسان الفطرة, و أعين بالفكرة و رفد بالعقل..."و يقول أيضا "العقل قوة إلهية و هو خليفة الله "
2- العقل بما هو أساس التفاضل بين الناس : اعتبر التوحيدي أن الناس لا يتفاضلون بالمال أو الجاه أو بالانتماء العرقي و إنما بالعقل لا غير. يقول :"فهو الذي يتفاضل به المتفاضلون و المدار عليه ".
3- العقل بما هو أساس الغنى الحقيقي : يقرر التوحيدي أن الغنى الحقيقي هو الغنى العقلي و أن الفقر الحقيقي هو الفقر من العقل و العلم . يقول :" من حرمه فهو أنقص من كل فقير".
4-العقل لما هو مصدر الحقيقة: التوحيدي أن الحكمة و العلم و الحقيقة مصدرها العقل لا غير . يقول:" العقل ينبوع العلم" و يقول :" صواب بديهة الفكرة من سلامة العقل " و يقول :" من قلّ نصيبه من العقل كثر نصيبه من الحمق ".
5- العقل بما هو أفضل من المال يؤكد التوحيدي أن العلم أفضل من المال و أن جوهر التفضيل للعلم على المال أرجعه إلى أفضليّة النفس العاقلة على النفس الشّهوية يقول :" حظّ الإنسان من المال إنما هو من قبيل النّفس الشهوية....و حظّه من العلم إنما هو من قبيل النفس العاقلة".
و ينتهي التوحيدي إلى اعتبار أنّ ضياع المال يورث مالكه الضياع و الحسرة بينما صاحب العلم لا خشية عليه حيث يقول :" لا ترى عالما سرق علمه و ترك فقيرا.. و قد رأيت جماعة سرقت أموالهم و نهبت و بقي أصحابها محتاجين لا حيلة لهم ".